لا يبدو أن السعودية ودول الطوق الخليجي بصدد وقف العدوان على اليمن، وإن اضطرتا للتوقف والانسحاب التكتيكي.. وإذا كان اليمن عصيا على الانكسار والاحتلال، فلا بأس من تجربة تقسيمه من جديد، سواء باستخدام الحراك الجنوبي، أو القاعدة وداعش، أو حتى باستدعاء أمريكا لإنفاذ المهمة.
بالتوازي مع التهيئة لمفاوضات الكويت المرتقبة في 18 إبريل الجاري، والتي يُرجح أن تشهد تقدما على صعيد وقف العدوان السعودي الأمريكي، وبحث عملية إنتقالية سياسية جديدة، تتداعى الأصوات في المحافظات الجنوبية إلى الخروج يومي الاحد والاثنين في تظاهرات للمطالبة بفك الارتباط وتقرير المصير.
وتراجعت القضية الجنوبية، وتوارى أبرز قادتها السياسيين عن المشهد في ظل العدوان على اليمن، وتأييد معظم فصائل الحراك لما يسمى بالشرعية، وانخراطهم مع قوات ومليشيات هادي إلى جانب التنظيمات الإرهابية في مواجهة الجيش واللجان الشعبية، وتمكين الغزاة الأجانب من احتلال عدن.
يذهب مراقبون أن عودة الروح إلى الحراك الجنوبي غير منفصلة عن مخططات العدوان، خاصة أن الصوت المتطرف ينطلق من داخل الرياض على لسان حيدر العطاس الموالي لآل سعود.
من على قناة العربية أعلن العطاس أمس السبت مباركته للاتحاد بين فصيلي البيض وباعوم في الحراك الجنوبي، ودعا (أبناء الجنوب، لتنفيذ مظاهرة جماهيرية للاستفتاء على “الاستقلال” من طرف واحد وتقديم نتائجه إلى الأمم المتحدة).
في الأثناء اقترح القيادي الجنوبي علي ناصر محمد، إدراج القضية الجنوبية على أجندة حوار الكويت، متمسكاً بخيار الدولة الفيدرالية من اقليمين بحدود العام 1990م، مؤكدا أن هذا هو الحل الوحيد لـ ” تجنيب وطننا المزيد من الأزمات والانقسامات والصراعات ويضمن لبلادنا والمنطقة الأمن والاستقرار”.
ليست مصادفة أن يرفع العطاس السقف ويدعو للانفصال، ويتقمص علي ناصر العقلانية، مكتفيا بدولة إتحادية من إقليمين، فالمسألة لا تعدو عن كونها مبادلة أدوار لا أكثر، كما يذهب مراقبون.
من جهته دعا فادي باعوم القيادي فيما يسمى بحركة تحرير واستقلال الجنوب انصار إلى الاحتشاد المليوني في ساحة العروض بخورمكسر – عدن، تزامنا مع انعقاد لقاء الأطراف اليمنية بالكويت يوم ١٨ من إبريل للتعبير عن إرادة شعب الجنوب وحقهم المشروع في التحرير والاستقلال عن الاحتلال اليمني، حسب تعبيره.
يغض القادة الجنوبيون الطرف عن الاحتلال والغزو الأجنبي لعدن ومحافظات جنوبية أخرى، ويرفعون عقيرتهم تجاه ما يسمونه بالاحتلال (الدحباشي)، ما يؤكد أنهم غدوا دمية بالية بيد الغازي السعودي- الإماراتي، يحركهم كيف شاء، وحيثما شاء.
يعزز هذا الرأي أن باعوم الذي سكت دهرا على ما حاق بعدن والجنوب من عدوان واحتلال خارجي، عاد لينطق بالمتلازمة القديمة، داعياً الأمم المتحدة للاعتراف بقضية شعب الجنوب وحقه في إقامة دولة جنوبية على أرضه كاملة السيادة الوطنية بحدودها قبل العام ١٩٩٠.
ويأتي هذا التصعيد في الوقت الذي نشر موقع “جلوباليست” الأمريكي (الأربعاء 13 أبريل/ نيسان 2016)، تقريراً للصحفيين، ستيفن ريختر، رئيس تحرير الموقع، وبيل همفري، محرر أول في الموقع، حول اتجاه السعودية لتنفيذ (الخطة ب) والتي تهدف الى تقسيم وتفتيت اليمن.
يشرح معدا التقرير أن التحالف السعودي لديه خطة احتياطية حال فشلت عملية السيطرة الكاملة على اليمن. والراجح، بحسب التقرير، “أن تكون-الخطة البديلة ب- أحد الحلول المطروحة والممكنة، تتمثل في تقسيم وتفكيك اليمن”. ويعتبرها الموقع الأمريكي “الأكثر بؤساً وقتامة”.
يقول المؤلفان، إن النتيجة المرجوة (التقسيم) قد تبدو مبالغاً فيها أو مثيرة للقلق. لكن أولئك الذين هم على دراية بتاريخ اليمن على مدى العقود القليلة الماضية لن يتفاجأوا إذا علموا أن الهدف غير المعلن من حرب المملكة العربية السعودية في اليمن هو التقسيم.
يتابع “جلوباليست” الأمريكي: إن أفضل تفسير لسيناريو التدخل الآن في اليمن، هو أن المملكة العربية السعودية تريد، ليس تهديم اليمن فقط، ولكن تقسيمه أيضاً إلى قسمين كما كان قبل 1990.
مشيراً إلى ما وصفها بأنها “طموحات سعودية قديمة خبيثة” في تقسيم اليمن. ومدللاً على ذلك بعدة شواهد منها: أن السعودية لم تدعم توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990، وإنما حاولت منع هذه الوحدة اليمنية من الحدوث مراراً وتكراراً في العقود السابقة، ثم إن السعودية ركزت جهودها الحربية على تأمين عدن، عاصمة الجنوب السابق، كما أن المتظاهرين المؤيدين للسعوديين في زيارة الملك سلمان البيت الأبيض في 2015 رفعوا علناً الأعلام اليمنية الجنوبية.
هذه الخطة السعودية التي تؤكدها شواهد الواقع، غير منفصلة عن التدخلات الإماراتية، التي سعت إلى إحكام قبضتها على عدن، والحؤول دون تطوير المنطقة الحرة فيها، حتى لا تكون نهضتها على حساب موانيء الدبي العالمية.
ولا تتوقف الحماقات الإماراتية عند هذا الحد، فبعد أن عملت باتجاه السيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية، بهدف تسليمها للأمريكان لاحقاً، ها هي وبذريعة محاربة الإرهاب تدعو بعيدا دونما تنسيق مع أي طرف يمني، الولايات المتحدة الأمريكية للمساعدة في الحرب على القاعدة باليمن.
وليس خافيا أن هذه الدعوة تأتي بهدف تقوية دور الحراك الجنوبي، الذي جرى استئناسه من قبل العدوان، وإقحامه في لعبة الارتزاق والخيانة، ودغدغة العواطف الجنوبية المتعلقة بفك الارتباط ، كمقدمة لتمكين الخليجيين في جنوب البلاد، وتحقيق أطماعهم في منطقة هي الأهم استراتيجيا بالنسبة لليمن.